أسباب تشكيل خصائص و ملامح شخصية المرأة العربية المعاصرة
قبل الإسلام لم يكن هناك عوامل كثيرة توحد الأشخاص الذين كان من الممكن أن نطلق عليهم لقب عرب، , إذا كان الرجل يُعرف بالكرم و الشهامة فإن ذلك كان من خصائص المرأة أيضاً بل و زاد الإسلام عليها الكثير أهمها و ضع معظم طاقتها لتربية أولادها و بناتها و رعاية زوجها، مقابل حصولها على تكريم ليس له مثيل في كل الحضارات على أنها الزوجة و الأم، و انتشرت هذه الحقوق و الواجبات في جميع أجزاء العالم الإسلامي الجديد، لتبدأ في تكوين خصائص جديدة للمرأة التي تعيش في المناطق الناطقة بالعربية، و توحد إلى حد كبير هذه الملامح، و قد استمرت المرأة العربية على الشكل الذي صقلها عليه الإسلام دون تغير كبير إلى فترة طويلة من الزمن، حيث لم نرَ أي تغير حقيقي سوى في بدايات القرن العشرين.
الشاب العربي الذي يريد أن يتزوج يضع في فكره مواصفات معينة لزوجة المستقبل تتباين ما بين الشكل الخارجي و الثقافة العقلية إلى مستوى التدين و التعليم، و هذا يدلنا على أن مقالتنا هذه ستكون صعبة للتباين الكبير الذي حدث منذ بدايات هذا القرن إلى الآن.
في نهايات القرن 19 كان هناك انفتاح على الغرب في بعض الدول العربية إما نتيجة الاستعمار كما كان الحال في مصر و الجزائر أو نتيجة البعثات الدارسين العرب كما كان الحال بشكل رسمي في مصر، أما بلاد الشام فلقد كان عندها انفتاح على الغرب بسبب موقعها الجغرافي، المهم أننا نلاحظ أنه بعد عودة الدارسين بدأنا نسمع عن قضايا تحرير المرأة كما سمعنا من هدى شعراوي و قاسم أمين، و كنا بدأنا نرى الآثار المدمرة للتغير الحضاري في المنطقة العربية بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى و سقوط الخلافة العثمانية بل و سقوط المنطقة العربية فريسة للمجرم البريطاني و الفرنسي، بعد الحرب الأوروبية الأولى انتهى الوطن العربي ليصبح عدة دويلات غالبيتها الساحقة مستعمرة من قبل الأجنبي غير المسلم و لو تأملنا في تكلك الفترة لرأينا أنها في أوج سيطرة فرنسا على الجزائر حيث كانت فرنسا تُعامل الجزائر على أنها محافظة فرنسية.
انتهاء الحرب العالمية الأولى كان بعد 23 سنة من اختراع كاميرا السينما، التي اخترعت في فرنسا عام 1894 ، و هنا نستطيع أن نفهم علاقة السينما و الانفتاح على الأجانب و المطالبة بتحرير المرأة و انتهاء دولة الخلافة، فكلها تصب في مكان واحد وهو ضد القيم الدينية.
لو نظرنا إلى مصر بعد الحرب الأوروبية الأولى لوجدنا انتشار أماكن الدعارة المرخصة و كذلك حانات شرب الخمر، و بالتأكيد كان هناك أشياء شبيهه في كلٍ من لبنان و الجزائر، و أتصور أن اليهود الذين قد أتوا إلى فلسطين بمساعدة المحتل البريطاني أيضاً كان عندهم أسلوبهم الأوروبي الفاسد في الحياة و لا أستبعد أنهم كانوا يدللون عليه.
لا يوجد عندي مراجع عن التغيرات القانونية في الدويلات العربية الجديدة ما بين الحربين الأولى و الثانية لكنني متأكد أن الخطر كان قد وقع فعلاً حيث بدأ المستعمر الفرنسي و البريطاني بتطبيق قوانينه كل في مكان سيطرته و هذا عنا بالضرورة تغير فكرة الناس عن العقوبات و الأخلاق
أما عن الأخلاق فغريب جدا ما حدث باسم السينما في فترة الثلاثينات و الأربعينات في مصر حيث رأينا الكثير من الخروج عن الأدب و الأخلاق، باسم الفن و كان معظم الفتيات اللواتي يقُمن بالتمثيل هن من اليهوديات أو الأرمنيات أو اليونانيات أو الأجنبيات بشكل عام، حيث أنني لا أفهم كيف أن المشاهد التي كانت تُعرض في تلك الفترة تجد قبولاً و استساغة، و لكن التفسير الوحيد هو أن التغير عند الناس لا يحدث بشكل فردي و إنما تدريجي بطيء، و أتصور أن، و في غياب ثقافة و ممارسة دينية، كل شاب كان يري هؤلاء العاملات في السينما يبدأ يشطح في خياله راسماً مواصفات فتاة أحلامه لتشبه الممثلة أو على الأقل الكمبارس من حيث الجمال الخارجي، و هنا و أنا لا أعرف عدد النساء اللواتي كن يشاهدن الأفلام في ذلك الوقت إلا أنني متأكد أنهن إن شاهدناها كن يتمنين أن يكن أحرار من قيود الأخلاق الحميدة مثلهن.
في تلك الفترة كانت كل الدول العربية تعمها الأمية إلى حد كبير، و إن كانت لا تزال تسوي إلى الآن على المتوسط 65%، فإن المصيبة أن البنات كن محرومات من التعليم بشكل قاسي حيث كان الاحتلال البريطاني في مصر و السودان و فلسطين و إلى حد أقل العراق يمنع التعليم الحكومي للبنات و لذلك نرى أن التعليم كان مقصوراً على مدارس الراهبات الخاصة و التي كانت البنات من العائلات الغنية تذهب إليها سواء كن مسلمات أم مسيحيات.
و هذه نقطة مهمة جداً لفهمها لأننا نستطيع أن نفهم أنه على الأقل حتى بداية الخمسينات كانت الأمية تعم الفتيات اللواتي سيُصبحن أُمهات و لكن للأسف غير واعيات، و إذا كنا قد عرفنا أن السبب الأساسي في عدم تعليم الفتيات في فترة الاستعمار الأجنبي فإنني لا أستطيع أن أجد عذراً للجزيرة العربية و اليمن اللتين لم تُستعمرا، و لا يوجد عندي مرجع عن بداية التعليم في الدولة السعودية الأولى أو في منطقة نفوذ الأشراف، و لكن الواقع يُكد انتشار الجهل بشكل عجيب عندهم، و لقد كان هناك بعض الاختلاف في العراق حيث كان هناك تعليم و لكن ليس بشكل كبير، و رغم و جود الكُتاب في كثير من المناطق العربية إلى أن الإقبال الحقيقي من قبل الفتيات لم يكن يُذكر، و هنا أنا لا ألوم الفتاة فهي مثلها مثل الولد قبل البلوغ و عليه فهي طفل يرضخ لرغبة أبويه و عليه فإنني ألوم الوالدين لوماً شديداً لكن إذا كان هؤلاء الوالدين فقيرين و جاهلين و معلوماتهما الدينية لا تكاد تكون موجودة، فكيف لنا أن نتوقع أن تكون تلك الأم مدرسة لأبنائها، و أنا هنا أُ ضيف أن المسجد مقصر و لا يزال مقصراً حيث كنا نرى اهتمام الكنيسة بالجزء المسيحي من المواطنين فإننا رأينا و لا نزال نرى تقصير و سوء فهم من المسجد بل و تفكك عجيب في قضية الفعالية و خدمة المجتمع و نشر الوعي.
و هنا نصل إلى ما بعد انتهاء الحربين الأوروبيين، و ما يُسمى بفترات الاستقلال للدويلات العربية و كذلك سقوط فلسطين ضحية للصهاينة على أيدي المتآمر البريطاني و العميل العربي أي أننا و صلنا إلى نهاية الأربعينات و بداية الخمسينات.
و حتى هذه الفترة كان الوطن العربي قد حدثت به تغيرات لا يستوعبها العقل البشري، حيث سنركز هنا على تأثير ذلك على التغير الناتج على سلوكيات البنات، و رغم أن اختلاق دويلتين من الصفر في المنطقة، هما الأردن و إسرائيل، لم يُؤثر بشكل مباشر، بعد حرب الدفاع عن فلسطين كان قد انتقل عدد كبير من الفلسطينيين إلى قد انتقلوا إلى عدد من الدول العربية و سيكون هناك ربط بين الموضوعين و أعتقد أن هناك تأثير قوي و غير مباشر كما سنرى لاحقاً
في بداية الخمسينات كان العديد من الدول العربية قد نال استقلاله، و كان قبلها بأكثر من 15 سنة قد بدأ استخراج النفط من السعودية، العراق و الكويت و هذا عامل مهم في التغيير
في الخمسينات كان العرب يعتقدون أنهم دخلوا عصر الاستقلال، و لكن حدثت انقلابات كثيرة في عدة دول مثل العراق و سوريا شدت الناس إليها في حين دخلت مصر انقلابها الأول ضد الرئيس محمد نجيب ثم حرب السويس ثم قضية الوحدة مع سوريا، في نفس الوقت كانت الجزائر في أوج حرب استقلالها.
أنا هنا لا أؤرخ و لكن أريد أن أصل إلى نتيجة أن الإنسان العربي انتقل من دولة الخلافة التي لم تهتم بتعليمه إلى دوامة السياسة التي انشغل فيها قبل أن يفهمها، و عليه لم يستطع الإنسان في ذلك الوقت أن يُحصن نفسه من تيار يُعرف بالحضارة و ذلك لتقصير شديد من الدولة، و لا أحد يستطيع أن ينكر أن كل الدويلات العربية الجديدة بدأت بالتعليم بما في ذلك للفتيات و على رأس تلك الدول حكومة الرئيس عبد الناصر، و لكن لم تخلوا التجربة من النواقص، فلا أستطيع أن أعرف سبب الاختلاط في الجامعة مع العلم أن العادات و الدين كانا أحسن عند أغلب الناس من الآن رُغمَ و جود صحوة لها قيمتها حالياً عند البعض.
نشوة الاستقلال و الحرية عند العرب جعلتهم يميلون إلى حضارات غريبة، بل إن الكثير من الكتاب المعروفين كانوا يؤكدون باستمرار أن سبب تخلف الوطن العربي هو العادات و القيم الإسلامية و كانوا دائماً يدقون على الوتر الحساس و هو ما يُسمى بحرية المرأة، انتشرت الشيوعية و لو إلى حد غير كبير و كان ذلك له آثار مدمرة على بنات من يدعون أنهم شيوعيون و لقد سمعت من شهود عيان أنهم نشروا بين عائلاتهم ما يُعرف بالحرية الجنسية، كما برز العلمانيون إلى السطح حيث بدءوا بعزل الدين عن الدولة و هذا يُفسر لنا الانحدار الأخلاقي لأفلام مصرية كثيرة أثرت على فتيات تلك الفترة، و الغريب أن حكومة ذلك الزمان كما الحال الآن تمنع الإسلاميين و تسمح للإفساديين، فكانت الهجمة عجيبة من السيناما و المسرح و المجلات و الكتب، و انتشار ما يُعرف بالغناء العاطفي و لا أعتقد أن هناك شابة في الخمسينات لم تكن تسمع الأغاني و أنا هنا أتكلم عن بنات المدينة، بل الادهى من ذلك أنني علمت من أشخاص أكبر مني أن الأفلام الأمريكية كانت تعرض في السينمات بشكل مستمر، و كان الشباب يعتبرون أبطال الفيلم مثلهم في الحياة، و فوق كل ذلك كانت البيرة و المشروبات الكحولية الخفيفة متوفرة في كل مكان و تُستهلك من قبل أعداد كبيرة، و هنا نلاحظ فصل مفهوم الدين عن التصرفات اليومية بسبب جهل تلك الفترة، و في بداية تلك الفترة بدأنا نلاحظ انتشار ظهور النساء خاصة الأصغر سناً بدون الحجاب و المصيبة بدأ ظهور بعض نساء الأغنياء بما يُعرف بملابس السباحة دون أي قلق من رفض المجتمع، سوء في مصر، لبنان أو تونس
كل هذه التغيرات كانت تحدث على التوازي و في نفس الوقت الذي كان فيه حرب شعواء ضد الإسلام و الإسلاميين، في معظم الدول العربية، و لكن ما يهمني هنا هو استجابة الأهل في ذلك الوقت لإعطاء هذا الانفتاح لأبنائهم و بناتهم، و هنا أيضاً فإن سباب الخمسين هم آباء و أُمهات الفترات اللاحقة.
الآن وصلنا فترة الستينيات و هي أعجب فترة في القرن العشرين لأنها كانت فيصل و علامة بارزة في التغير الحاصل في سلوك الحضارة الغربية و كل من يدور بفلكها.
عام 60 كان مهم أيضاً في موضوعنا هذا لأنه شهد افتتاح أول محطة تلفزة عربية و هي التلفزيون العربي من القاهرة، و عليه أصبحت رؤية الفتاة للممثلات و حب تقليدهم أسهل بكثير من السابق بل إن التلفزيون لم يكن يستأذن أحد لكي يدخل الرقص و الغناء إلى البيت، و كما قلنا سابقاً إن الستينيات فترة عجيبة نستطيع أن نسميها فترة الحيوية و النشاط في الخروج الغربي على الأخلاق، و رغم أن تأثر العرب لم يكن عن طريق أن أصبحوا هيبس أو دخنوا المراوانا أو غنوا الروك أن رول أو ناموا في الحدائق و الشوارع كالجراد خروجاً على العادات و التقاليد و ممارسين لكل ما أسمه متعة.
و لكن كل من يلاحظ بدقة تلك الفترة فإنه يجد أن الغرب كان يعمل أفلاماً سينامائية تناغم و تناسب تلك الفترة و كان السنمائيون العرب يُقلدون بدون أي تفكير، فبينما كنا نري العشق و الدلع و النشاط و الحيوية و السيارات المكشوفة الأفلام الأمريكية كنا نرى نفس الشيء في الأفلام المصرية، و التي كان و لا شك، لها تأثيراً مهماً بجانب التلفزيون و سوء التعليم، أثراً تدريجياً سيئاً لا زلنا نعاني منه إلى يومنا هذا.
فبينما كانت فرحة الغرب بالثورة الجنسية التي تكلمنا عنها سابقاً و بالتالي ذهبوا إلى أقصوا الحدود للمتعة و الرذيلة فلم يكن يوجد ما يُفسر ذهاب العرب في نفس الطريق سواء كان في أغانيهم أو أفلامهم، بل و المصيبة الأكبر ظهور البنات العربيات على الشواطئ بلباس البحر العاري، و كما نعرف فإن رؤية الشاب الأوروبي لبنت أوروبية عارية لم يعني الكثير، لأنه يستطيع إطفاء غريزته في أي وقت مع أيٍ من صديقاته، فإننا لا نستطيع أن نجد أي تفسير لسلوك المجتمع العربي باسم التحضر في ذلك الوقت مقلدين للغرب دون تفكير.
و بجانب غزو السينما، لم يكن التلفزيون قد بدأ غزواً حقيقياً و لكنه كان قد بدأ الغزو الغير مباشر عن طريق الأغاني العاطفية و بث أفلام السينما العربية، و كانت التجربة المصرية في إنشاء التلفزيون، قد تكررت مع مرور الوقت، و لكن أكبر التدمير للمواطن العربي كان قد ظهر في لبنان و ذلك لعشق الأخوة المسيحيين لتقليد الغرب، و كان في لبنان أماكن للدعارة و كانت شواطئهم أسوأ بكثير من الوضع في مصر، و يجدر الإشارة هنا أنه كان هناك مطربون و إنتاج سينمائي مدمر للأخلاق، صحيح أنه لم يكن يعادل حجم الإنتاج المصري و لكن من شدة خلاعته كان مرغوباً كما هو اليوم، و مع ذلك فإنني أعتقد أن الهجمة الحكومية التونسية على الدين و الأخلاق التي بدأت من بدايات عهد بورقيبة و لا زالت حتى الآن هي أسوأ ما عرفه العربي من مسلسل طويل لعزله عن أخلاقه الحميدة عن طريق عزله عن الدين.
في فترة الستينيات كان الإنسان العربي يشعر بالشباب رُغم عمره و ذلك للشعور المزيف بالاستقلال و كذلك بالانقلابات التي كانت تجعل الناس تواقين لمعرفة ما تخبؤه الأيام.
أيضاً من العوامل الضارة كان ضعف التعليم الديني في المدارس و فصله عن أساسيات التعليم المدرسي و عليه لم يكن التعليم الديني مُؤثراً في بناء شخصية الجيل الجديد.
في الخمسينات كان الناس مشغولون بعد حرب فلسطين، بسياسات دويلاتهم الجديدة ثم انشغلوا بحرب السويس ثم انشغلوا بموضوع الوحدة مع سوريا، و لاشك هنا أن البنت العربية كانت تعيش في بيت يتكلم فيه الناس عن السياسية و القضايا اليومية بشكل مستمر لكن العينة التي لفتت انتباهي هي البنت الفدائية الفلسطينية:
الفلسطينيون أُخرجوا من ديارهم عام 48 بقوة الإرهاب اليهودي و التخطيط البريطاني و التآمر العربي، لكنهم في منتصف الخمسينيات بدءوا يُجمعون أنفسهم كحركة سياسية مستقلة حتى عام 65 حين أُعلن قيام منظمة تحرير فلسطين و التي كانت تنضوي تحتها الكثير من الفصائل، التي تجمع بدورها الشباب الغاضب، و رغم أنه يبدوا أن معظم المقاتلين القدامى كانوا من خلفيات متدينة إلا أن الذي حصل عام 68 و انتصار الفلسطينيين على مجموعة عسكرية إسرائيلية كانت تحاول غزو صغير للأردن جعل لهم شعبية فارتفع عددهم من 400 إلى 1000 في فترة أشهر قصيرة، و اكن من بين المتطوعين بعض البنات، و لا يوجد عندي أي تفسير لسبب قبول أهالي هؤلاء البنات لالتحاق كريماتهم للعمل العسكري، و رغم أنني لا أعتقد أن انضمام الفتاة نفسها لذلك العمل كان من العوامل المؤثرة على شخصية و طموحات البنت العربية إلا أنها بالتأكيد كانت مهمة خاصة في عام 69 حين أقدمت مجموعة على اختطاف و تفجير ثلاث طائرات في مطار عمان و كانت المجموعة بقيادة الفدائية المعروفة ليلى خالد، و عليه فإنها كانت كالمثال للبنات في الوطن العربي، على شجاعتها و حيويتها النضالية و إصرارها، و هنا أتسائل ما هى المساوئ لتجديد هؤلاء البنات، اللواتي كن مثال لغيرهن، و أترك ذلك للمأرخين
حرب 67 كانت مدمرة لنفسية الإنسان العربي و لا شك أنها كانت مؤثرة البنت تماماً مثل على الولد، و لكن لا أعرف ما هو التأثير الحقيقي لشخصية البنت.
بقي أن أقول أن الجزائر و الكويت استقلتا في الستينيات و في 69 كان انقلاب السودان و ليبيا، و في نهاية الستينات كان اعتماد العرب على النفط و عليه تغير عادات الناس قد أصبح ملحوظاً.
و أيضاً كان عدد الطالبات الجامعيات قد ارتفع إلى رقم قياسي، في جامعات مختلطة و خالية من تعليم الدين و الأخلاق، و لا أذكر السنة التي ضم فيها الأزهر للوزارة و لكن يجدر الإشارة أنه في الستينيات تم إعدام أعداد غفيرة من علماء الإسلاميين و على رأسهم المفسر سيد قطب.
أما على الصعيد الوظيفي في الدول العربية انتشر عمل المرأة في أماكن مختلطة إلى حد ملفت للانتباه، بالمقارنة مع سلوكنا الإسلامي، و هذا ساعد على تغير النظرة للقيود و الحواجز و التي كانت تلك المرأة تنقلها لأولادها.
و لا أستطيع أن أُنهي هذا العقد دون الإشارة إلى فيلم أبي فوق الشجرة و الذي حقق أعلى مبيعات في تاريخ السينما العربية حتى الآن، و الذي في نظري كان مدمراً للغاية.
و قبل أن أنتقل إلى السبعينيات، فإننا لو نظرنا إلى الشابة في نهاية الأربعينيات و الشابة في نهاية الستينيات لوجدنا فارق خيالي في السلوك و مواصفات و مقاييس الأخلاق.
الآن نبدأ عقد السبعينيات، مفترضين أن هناك بنت ولدت في عام 50 و مرت بالظروف التي ذكرت أعلاه، و على أغلب الظن أنها الآن في السنة الجامعية الثانية، فإذا ما كانت هذه البنت في أي مكان في الوطن العربي عدا الجزيرة العربية فإنها ستكون على مقاعد دراسة مختلطة مع الذكور، و لا شك فإن ذلك سيكون له عوامل إيجابية و سلبية، فمنها ما أعني بالحب الخارج على الشرع و العرف، و منها ما أعتقد أنها فرصة التعرف على زوج المستقبل، على كل حال في عام سبعين تغير حال معظم الدول العربية و ذلك بعد وفاة زعيم عربي دخل التاريخ من أوسع أبوابه و بغض النظر عن رأي المؤرخين، و كذلك دون نقاش إيجابيته أو سلبياته فهذا ليس موضوعنا، في سوريا أيضاً كان يير في القيادة فأصبح حافظ الأسد رئيس للدولة، أما العراق فقبلها بقليل كان صدام حسين أصبح نائب الرئيس.
في دويلات الخليج كان هناك تغير كبير عام حيث قررت بريطانيا إيهام الناس بالاستقلال، فاستقلت البحرين و قطر و كذلك المشيخات السبع التي اتحدت فيما بعد و أصبح اسمها الإمارات العربية المتحدة.
بعد وفاة جمال عبد الناصر، تولى أنور السادات الحكم فعمل تغيراً جذرياً على ما كان موجود فقام باعتقال الموالين لعبد الناصر و أفرج عن معارضيه و خاصة الإسلاميين، ثم قام بإعطائهم حرية أكبر فسمح للشيخ كشك بالخطابة الثورية، و للإخوان المسلمين بنشر مجلة الدعوة التي أُسست أيام الشهيد حسن البنا و لكن مُنعت في عهد عبد الناصر، و لم يكن ذلك من أجل سواد عيونهم أو حباً للإسلام و لكن كان من أجل ما اعتقد أنه يحدث توازن في القوى السياسية المصرية.
مصر كانت و بدعم من حكومات عربية و كل الشعب العربي في حرب استنزاف مع اليهود من عام 67 حتى عام 70 ، و عليه كان الجو في مصر مشحوناً و ثورياً و أكاد أزعم أن الكثير من الفتيات الجامعيات كن مندمجات مع هذا الجو، و لكن مع ظهور نوع آخر من الثورية و هي الثورية الإسلامية التي أُفرج عنها حديثاً بدأنا نرى أن بعض الشباب و الشابات يتقربون و يقرءون لهؤلاء الذين ظلمهم الرئيس السابق، و استمر الجو مشحوناً حتى حرب رمضان عام 1973 و التي دخلتها بشكل مباشر مصر و سوريا ضد العدو اليهودي و شارك فيها بشكل غير مباشر كل العرب بدون استثناء. حيث قامت السعودية و الدول العربية المنتجة للنفط بقطع إمدادات النفط عن الغرب ما كان له الأثر الطيب في بداية الحرب و لكن ما يهمنا هو أثره الطيب جداً في رفع أسعار النفط و تحويل دول النفط العربية إلى دول غنية جداً في فترة قصير للغاية.
و في كل هذا الوقت كانت الجامعات عبارة عن المنابر التي يُعبر فيها الطلبة عن آرائهم السياسية أو التي يُخرجون بها طاقتهم الفكرية، و من الجدير بالذكر أن الحرية التي أُعطيت في مصر في بداية عهد السادات كانت إلى حد ما متوفرة في الأردن، و لا تتوفر إلى يومنا هذا في سوريا، أما العراق فالمصيبة أعم و أكبر، و عليه و بالنظر إلى كل دويلة عربية على حدة نستطيع أن نرى الظروف الاجتماعية و السياسية و الغزو الإعلامي الذي عاشت فيه الفتاة التي ولدت عام 50 ، و لكن بالنظر إلى الأمور الفنية فتأخر إنشاء محطة تلفزة في الأردن مثلاً حتى بدايات السبعينيات و عدم و جود صناعة سينما، و كون معظم سكان الأردن من الفلسطينيين الذين كانوا يتابعوا أخبار الهزيمة تلو الأخرى بحزن شديد جعل لهم خاصية تختلف عن اللهو و العبث المنتشر بكثرة في لبنان و إلى حد ليس بالقليل في سوريا.
كل ما هو بعد عام 74 كان يغيراً جذرياً بالنسبة للحياة الاجتماعية العربية، و لكننا الآن ننظر فنرى أن البعض بدأ يعلن عودته إلى التعاليم الدينية فمنهم من يُصيب و منهم من يتطرف، و لعل ذلك كان واضحاً في لباس المرأة الإسلامي و لحية الرجل، و انتشار أشرطة محاضرات الدعوة الإسلامية، إلا أن ذلك لم يكن واضحاً بنفس القوة في كل الدول العربية بنفس القدر، و لكن قد يكون ذلك ما يُسميه البعض بداية الصحوة الإسلامية.
نفترض الآن أن البنت التي ولدت عام 50 من أب نصف متعلم و أم غير متعلمة و التي أنهت دراستها الجامعية عام 72 و ذهبت للعمل كمدرسة تزوجت عام 75 ،ذلك العام الحزين في ذاكرة الأمة العربية و السبب استشهاد أحد أعظم قادتها و هو الملك فيصل رحمه الله على يد أحد أفراد العائلة السعودية و لكن لحساب أمريكا كعقاب للشهيد على موقفه المشرف من قضية فلسطين، و بغض النظر عن ظروف الخطبة، نفترض أن زوجها خريج جامعي و أنهما أنجبا طفلة عام 76 ، ذلك العام المشؤوم الذي بدأت به الحرب الغير مفهومة في لبنان، و بناءً على ذلك نستطيع الآن دراسة الظروف التي مرت بهذه الطفلة و التي بالتأكيد تختلف كلية عن ظروف أمها.
صيف عام 76 كان أحر صيف في تاريخ أوروبا المسجل، و أذكر ذلك لأن تلك العوام كانت بدايات الغزو السياحي من دول الخليج لأوروبا بشكل عام و بريطانيا بشكل خاص حيث كان يبلغ عددهم تقريباً نصف مليون سائح في شهور الصيف يصرفون حوالي خمسة مليارات دولار سنوياً، و لكن المصيبة الأساسية كانت ما يتعلمونه من ممارسات رذيلة بل و ما يراه أولادهم و بناتهم من تحرر في بلاد الكفر، و المهم هنا التوضيح أن معظمهم كان يذهب للسياحة البريئة دون تقدير خطر الغزو الفكري، و سبب تلك السياحة الحر الشديد في منطقة الخليج مقروناً بكثرة الأموال و التي أحدثت صدمة حضارية في بعض الظروف.
في تلك الفترة ظهر في الأفلام السينامائية ما يُعرف بفتى و سندريلا الشاشة، و نستطيع أن نفهم هذه النقطة إذا ما درسنا بعين ناقدة فيلم خلي بالك من زوزو، و الذي حقق أعلى مبيعات حتى يومنا هذا بعد فيلم أبي فوق الشجرة، كذلك ظهرت مسرحيات مدمرة أهمها مسرحية مدرسة المشاغبين و التي ليس فقط كانت تعطي المثال السيئ عن الطلبة و المدرسين بل و كأنها كانت تُشجعهم على فعل المشاكل، و أيضاً من الملاحظ أن المسلسلات المصرية و إلى حد ما السورية و اللبنانية كانت تشاهد في جميع أنحاء الوطن العربي حيث كل الحكومات عندها محطات تلفزة، و بدأت شركات خليجية غنية بإنتاج المسلسلات التي أصبحت في ما بعد جزء أساسي من البرنامج العائلي.
أم كلثوم توفيت في عام 75، و عبد الحليم حافظ في عام 77 ، و كانت الجنائز مهيبة، لدرجة أن إحدى الفتيات المصريات انتحرت حزناً على العندليب، فهل كان الناس متعلقين بالعناء إلى هذا الحد، مع العلم أننا في هذه الفترة كنا نرى شوكة استيقاظ الوازع الديني تقوى.
هذا العام، أي 77 كان عام حزين حيث و صل إلى الحكومة اليهودية الإرهابي مناحيم بيغن، ثم زاد الطين بلة الرئيس المصري أنور السادات بزيارته للقدس، و عام 78 كان استمرارية لكنه شهد توقيع كامب ديفد، أما 79 فكان ظهور الثورة الإيرانية و التي اعتقد البعض خطاً أنها ستحدث نقلة نوعية في الصحوة الإسلامية.